في عصر الصور والترندات، اجتاحت مصر موجة هائلة من التحول الرقمي لوجوه المستخدمين، خاصة مع اقتراب افتتاح المتحف المصري الكبير، حيث امتلأت منصات التواصل الاجتماعي بصور تُحوِّل أصحابها إلى ملوك وملكات فراعنة، في مشاهد تبدو احتفالية نابضة بالحياة بالتراث. لكن خلف هذا الاحتفال، يُشير أخصائيو التكنولوجيا والخصوصية إلى جانب خفيّ أكثر جدية يحيط بـ «ترند الصور الفرعونية بالذكاء الاصطناعي».
![]() |
| ترند الصور الفرعوني |
تريند «الصور الفرعونية» ومع موجة الذكاء الاصطناعي
لم يكن مشهدًا عاديًا: فبمجرد فتح أحد التطبيقات أو تصفُّح صفحتك على إنستغرام أو تيك توك، قد تجد نفسك أو أحد أقربائك مُحوّلًا إلى شخصية فرعونية بتاج لوتس وعيون كحٌ زاهية، أو عامل يحمل لفائف بردي في خلفية حجرية. هذا «ترند الصور الفرعونية» انتشر فجأةً، متزامنًا مع حدث افتتاح المتحف المصري الكبير، وحمل في طياته رمزية احتفاءً بالهوية، لكن أيضًا حذّر من أبعاد تقنية خلفية.
فبينما أسهم هذا التحوّل في تشارك فوري للصور، وفرحة جماعية، إلا أن الأمر المُختلف هو أن التطبيقات التي تتيح هذه التعديلات تعمل عبر خوارزميات الذكاء الاصطناعي التي تحتاج صورًا عالية الجودة، وربّما تستثمر وجوه المستخدمين في بنائها دون أن يكون المستخدم مدركًا تمامًا لطبيعة الاستخدام أو مصير بياناته.
ما الذي يحصل فعليًا خلف الكواليس؟
بحسب تصريحات الخبير ماركو ممدوح، أستاذ هندسة الحاسبات والذكاء الاصطناعي، فإن هذه التطبيقات لا تكتفي بتحويل مظهر الوجه، بل تجمعه كبيانات بصرية تُحوّل إلى “بصمة رقمية” تدخل في تدريب خوارزميات التعرف على الوجه أو النماذج التوليدية.
- النموذج الأول: التعلم الذاتي (Self-Learning) حيث تتعلم الخوارزميات من الكمّ الكبير للصور التي تُرفَع من المستخدمين.
- النموذج الثاني: نماذج التدريب الضخمة (Large-Scale Training) التي تحتاج صوراً كثيرة عالية الجودة لتدريب النموذج وتحسين أداءه.
النتيجة؟ عندما تضغط “مشاركة” أو “تحميل” لصورتك وهي في هيئة فرعونية، فإنك ربما كنت تساهم —من دون أن تشعر— في “وقود” يطوّر خوارزمية تستخدم وجهك ليس فقط في التطبيق ذاته، بل ربما في قواعد بيانات أوسع.
لماذا يُمثّل الأمر خطرًا للخصوصية؟
توضح دراسات عالمية أن تقنيات التعرف على الوجه وواجهات الذكاء الاصطناعي التي تستخدم صور الوجوه تواجه أزمة خصوصية فعلية:
- عدم وجود إذن واضح قبل جمع الصور أو استخدامها في نماذج.
- تخزين صور الوجوه أو البيانات الخاصة بها يعرض المستخدم لخطر اختراق أو استغلال، فالصورة الوجهية لا تُغيّر كما تُغيّر كلمة المرور.
- انعدام الشفافية أو الإفصاح حول كيفية استخدام الصور أو من يملكها.
في هذا السياق، حين يُستخدم ترند بسيط كـ “تحويل وجهك إلى فرعون” كتطبيق أو فلتر على وسائل التواصل، قد تعتقد أنه مجرد ترفيه. لكن المخاطر الحقيقية تكمن في أن هذه الصور قد تُستخدم بعد ذلك في بنية تحتية رقمية أكبر، مثل تدريب نماذج تعرف على الوجوه أو حتى أنظمة مراقبة أو تجارية دون علمك.
ماذا يمكن أن تفعل؟ نصائح لحماية نفسك من استغلال الصور
في مواجهة هذا الواقع، إليك بعض النصائح العملية التي تساعدك في حماية خصوصيتك أثناء المشاركة في هذه الترندات:
- راجع الأذونات التي تطلبها التطبيقات قبل تحميل الصور أو استخدام الفلاتر—هل تطلب تحميل كامل الكاميرا أو الوصول إلى الألبومات؟
- لا تشارك صورك الأصلية التي تظهر ملامحك بوضوح في فلاتر تبدّل مظهرك، إن كنت لا ترغب باكتشاف هوية وجهك لاحقًا.
- يفضل استخدام صور معدّلة أو رمزية بدل الصور التي تُظهر الوجه بوضوح في سياقات قد تُستخدم لاحقًا.
- اقرأ سياسات الخصوصية للتطبيقات: هل تُعلن أنها قد تُستخدم الصور في تدريب نماذج أو تستخدم البيانات لأغراض تجارية؟
- كن واعيًا بأن “الترند” ليس بريئًا دوماً: فرغم أن الهدف قد يكون احتفالًا أو مشاركة اجتماعية، إلا أن التكنولوجيا التي تقف خلفه قد ترى المستخدم كمورد بيانات.
الترند الثقافي مقابل الترند التكنولوجي
من جهة، يشكّل ترند الصور الفرعونية احتفاءً بثقافة مصر القديمة، ويُعبّر عن فخر جماعي بيومي. من جهة أخرى، إنه يعكس جانبًا تكنولوجيًا أكثر تعقيدًا: كيف يتحول وجهك إلى مجرد بيانات تُستخدم.
هذا التقاطع بين الهوية والـبيانات الضخمة يطرح أسئلة مهمة حول العلاقة بين الفرد والتكنولوجيا: هل نحتفظ بخصوصيتنا ونحن نشارك هذه التجارب؟ أم أننا ندفع ثمناً لوقتنا واهتمامنا؟
وفي وقت تشهده فيه مصر احتفالات ضخمة بافتتاح المتحف المصري الكبير، من الضروري أن يكون هذا الاحتفال مصحوبًا بوعي رقمي، لكي يكون الفخر بالتراث مصحوبًا بالحفاظ على الحقوق الرقمية للفرد أيضًا.
خاتمة
إن مشهد “الصور الفرعونية” التي اجتاحت وسائل التواصل ليس مجرد ظاهرة اجتماعية عابرة، بل إنّها تحوّل رقمياً ثقافياً يحمل في طياته فرصًا وتهديدات في آن واحد. فبينما يعبر المصريون عن انتمائهم وهويتهم بطرق مبتكرة، يلوح خلف الزاوية جانبٌ من خصوصية البيانات والوجوه التي تُستخدم كمادة أولى في أنظمة الذكاء الاصطناعي.
في نهاية المطاف، الاحتفال بـ افتتاح المتحف المصري الكبير لا ينبغي أن يكون مجرد لعبة صور أو فلتر جميل — بل لحظة توقّف للتساؤل: ماذا يحصل لصورتي بعد رفعها؟
فلتجعل مشاركتك ذكية، ولتحتفل بحضارتك دون أن تتحول بياناتك إلى وقود يُستخدم في خوارزميات لا تعرفك.


0 تعليقات